فصل: الحديث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الخَامِس وَالْعشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْبَحْر: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته».
هَذَا الحَدِيث قد ذَكرْنَاهُ مَبْسُوطا بِطرقِهِ وفوائده فِي أول هَذَا الْكتاب.

.الحديث السَّادِس وَالْعشْرُونَ:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ».
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب النَّجَاسَات.

.الحديث السَّابِع وَالْعشْرُونَ:

«أَن طَائِفَة من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصَابَتْهُم المجاعة فِي غزَاة فَلفظ الْبَحْر حَيَوَانا عَظِيما يُسمى العنبر، فَأَكَلُوا مِنْهُ، ثمَّ أخبروا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قدمُوا، فَلم يُنكر عَلَيْهِم، وَقَالَ: هَل حملتم لي مِنْهُ».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من رِوَايَة جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه فَفِي رِوَايَة لمُسلم قَالَ: «بعثنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن ثَلَاثمِائَة رَاكب وأميرنا أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح نرصد عيرًا لقريش، فَأَقَمْنَا بالسَّاحل نصف شهر، وأصابنا جوع شَدِيد حَتَّى أكلنَا الْخبط فَسُمي جَيش الْخبط، فَألْقَى لنا الْبَحْر دَابَّة يُقَال لَهَا العنبر، فأكلنا مِنْهَا نصف شهر، وادهنا من ودكها حَتَّى ثَابت أجسامنا، قَالَ: فَأخذ أَبُو عُبَيْدَة ضلعًا من أضلاعه فنصبه، ثمَّ نظر إِلَى أطول رجل فِي الْجَيْش وأطول جمل فَحَمله عَلَيْهِ فَمر تَحْتَهُ، وَجلسَ فِي حجاج عينه نفر، وأخرجنا من وَقب عينه كَذَا وَكَذَا قلَّة ودك، وَكَانَ مَعنا جراب من تمر، وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يُعْطي كل رجل قَبْضَة قَبْضَة، ثمَّ أَعْطَانَا تَمْرَة تَمْرَة، فَلَمَّا فني وَجَدْنَاهُ فَقده» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «بعثنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر علينا أَبَا عُبَيْدَة نتلقى عيرًا لقريش وزودنا جرابًا من تمر لم نجد لنا غَيره، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يُعْطِينَا تَمْرَة تَمْرَة، فَلَمَّا فني وَجَدْنَاهُ». وَفِي رِوَايَة: «فَقلت لَهُ: كَيفَ تَصْنَعُونَ بهَا؟ قَالَ: نمصها كَمَا يمص الصَّبِي، ثمَّ نشرب عَلَيْهَا المَاء فتكفينا يَوْمنَا إِلَى اللَّيْل، وَكُنَّا نضرب بعصينا الْخبط ثمَّ نبله بِالْمَاءِ فنأكله. قَالَ: وانطلقنا عَلَى سَاحل الْبَحْر فَرفع لنا سَاحل الْبَحْر كَهَيئَةِ الْكَثِيب الضخم فأتيناه فَإِذا هُوَ دَابَّة تُدعَى: العنبر. قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ميتَة. ثمَّ قَالَ: لَا بل نَحن رسل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد اضطررتم، فَكُلُوا. قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهَا شهرا وَنحن ثَلَاثمِائَة حَتَّى سمنا. قَالَ: وَلَقَد رَأَيْتنَا نغترف من وَقب عينه بالقلال الدّهن، ونقطع مِنْهُ الفدر كالثور أَو كَقدْر الثور، فَلَقَد أَخذ منا أَبُو عُبَيْدَة ثَلَاثَة عشر رجلا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقب عينه، وَأخذ ضلعًا من أضلاعه فأقامها، ثمَّ رَحل أعظم بعير مَعنا فَمر من تَحْتَهُ، وتزودنا من لَحْمه وشائق، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة أَتَيْنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكرنَا ذَلِك لَهُ. فَقَالَ: هُوَ رزق أخرجه الله لكم، فَهَل مَعكُمْ من لَحْمه شَيْء فتطعمونا؟ قَالَ: فَأَرْسَلنَا إِلَى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فَأَكله». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بسرية وَأَنا إِلَى سيف الْبَحْر» وسَاق الحَدِيث، وَفِيه: «فَأكل مِنْهَا الْجَيْش ثَمَانِي عشرَة لَيْلَة». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «بعث بعثًا إِلَى أَرض جُهَيْنَة وَاسْتعْمل عَلَيْهِ رجلا...» وسَاق الحَدِيث. وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «غزونا جَيش الْخبط وأميرنا أَبُو عُبَيْدَة فجعنا جوعا شَدِيدا، فَألْقَى الْبَحْر حوتًا مَيتا لم نر مثله يُقَال لَهُ: العنبر، فأكلنا مِنْهُ نصف شهر، وَأخذ أَبُو عُبَيْدَة عظما من عِظَامه فَمر الرَّاكِب تَحْتَهُ». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَإِذا حوت مثل الظرب فَأكل مِنْهُ الْقَوْم ثَمَانِي عشرَة لَيْلَة، ثمَّ أَمر أَبُو عُبَيْدَة بضلعين من أضلاعه فنصبا، ثمَّ أَمر براحلة فرحلت، ثمَّ مرت تحتهَا فَلم تصبها» وَفِي رِوَايَة لَهُ وَلمُسلم: «وَكَانَ فِينَا رجل فَلَمَّا اشْتَدَّ الْجُوع نحر ثَلَاث جزائر ثمَّ ثَلَاث جزائر، ثمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَة» وَجَاء فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: «إِن هَذَا الرجل هُوَ قيس بن سعد بن عبَادَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَلَمَّا قدمنَا ذكرنَا ذَلِك لرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كلوا رزقا أخرجه الله لكم، أطعمونا إِن كَانَ مَعكُمْ. فَأَتَاهُ بَعضهم فَأَكله» وَفِي رِوَايَة للنسائي «أَنهم كَانُوا ثَلَاثمِائَة وَبضْعَة عشر». وَهَذَا الحَدِيث هُوَ الْعُمْدَة فِي أَن السّمك الطافي- وَهُوَ الَّذِي يَمُوت فِي الْبَحْر بِلَا سَبَب- حَلَال. وَقد قَالَ جَمَاهِير الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَمن بعدهمْ مِنْهُم أَبُو بكر الصّديق، وَأَبُو أَيُّوب، وَعَطَاء، وَمَكْحُول، وَالنَّخَعِيّ، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، وَأَبُو ثَوْر، وَدَاوُد، وَغَيرهم.
وَقَالَ جَابر بن عبد الله، وَجَابِر بن زيد، وَطَاوُس، وَأَبُو حنيفَة: لَا يحل. وَدَلِيل الْجُمْهُور الحَدِيث الْمَذْكُور بعد قَوْله تَعَالَى: {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعا لكم} قَالَ ابْن عَبَّاس وَالْجُمْهُور: صَيْده مَا صدتموه وطافيه مَا قذفه. وَبِغير ذَلِك من الْأَدِلَّة الَّذِي لَيْسَ هَذَا مَوضِع بسطها، وَمن ذَلِك الحَدِيث الصَّحِيح: «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته». وَأما الحَدِيث الْمَرْوِيّ عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه مَرْفُوعا: «مَا أَلْقَاهُ الْبَحْر أَو حرز مِنْهُ فكلوه، وَمَا مَاتَ فِيهِ فَلَا تأكلوه» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْجَوَاب عَنهُ من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: إِنَّه حَدِيث ضَعِيف بِاتِّفَاق الْأَئِمَّة، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ لَو لم يُعَارضهُ شَيْء، فَكيف وَهُوَ معَارض بِمَا ذَكرْنَاهُ؟! وَقد أطنب الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي تَضْعِيفه فِي سنَنه وخلافياته، وَابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه وعلله وَغَيرهمَا، وَيَكْفِينَا من ذَلِك قَول البُخَارِيّ فِيهِ: إِنَّه حَدِيث لَيْسَ بِمَحْفُوظ. وَقَول الإِمَام أَحْمد: إِنَّه حَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح.
الثَّانِي: إِنَّه مَنْسُوخ بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة السالف «هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته». قَالَه الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي عُلُوم الحَدِيث فَإِن قيل: لَا حجَّة لكم فِي حَدِيث العنبر؛ لأَنهم كَانُوا مضطرين. قُلْنَا: الِاحْتِجَاج بِهِ بِأَكْل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فِي الْمَدِينَة من غير ضَرُورَة.

.الحديث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ:

ورد النَّهْي عَن قتل الضفدع.
هَذَا الحَدِيث تقدم بَيَانه وَاضحا فِي بَاب مُحرمَات الْإِحْرَام. وَفِي الضفدع أَربع لُغَات ذكرتها مُوضحَة فِي لُغَات الْمِنْهَاج. وَهُوَ الْمُسَمَّى بالإشارات.

.الحديث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: الحشرات كلهَا مستخبثة مَا يدرج مِنْهَا وَمَا يطير، وَمِنْهَا مَا هِيَ ذَوَات السمُوم وإبر فَتحرم لما فِيهِ من الضَّرَر، وَفِي النَّهْي عَن الوزغ دَلِيل عَلَى تَحْرِيم أَنْوَاعهَا.
وعددهم الرَّافِعِيّ، وَهَذَا الَّذِي ذكره من النَّهْي عَن قَتلهَا شَيْء لَا نعرفه، بل هُوَ خلاف الْمَنْقُول عَن سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِي صَحِيح مُسلم عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الوزغ وَسَماهُ فويسقًا». وَرَوَى البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أم شريك «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا بقتل الأوزاغ». وَفِي رِوَايَة لَهما «أَمر». وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «وَكَانَ ينْفخ النَّار عَلَى إِبْرَاهِيم». وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «من قتل وزغًا فِي أول ضَرْبَة كتبت لَهُ مائَة حَسَنَة، وَفِي الثَّانِيَة دون ذَلِك، وَفِي الثَّالِثَة دون ذَلِك» وَفِي رِوَايَة لَهُ «فِي ضَرْبَة سبعين حَسَنَة». وَفِي رِوَايَة لِابْنِ حبَان من حَدِيث عَائِشَة: «لم يكن دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا أطفأت عَن إِبْرَاهِيم النَّار غير الوزغ فَإِنَّهُ كَانَ ينْفخ عَلَيْهِ النَّار، فَأمر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتْله» فَغَفَلَ الإِمَام الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَرَادَ أَن يكْتب: وَمِنْهَا مَا أَمر بقتْله، فَسبق الْقَلَم إِلَى: مَا نهي عَن قَتله. وَرَأَيْت فِي صَحِيح ابْن حبَان تَرْجَمَة تدل عَلَى أَن بعض الْعلمَاء كره قَتلهَا، يُقَال ذكر الْأَمر بقتل الأوزاغ ضد قَول من كره قَتلهَا ثمَّ ذكر حَدِيث أم شريك السالف.

.الحديث الثَّلَاثُونَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ: فِي الْقُنْفُذ وَجْهَان: أَحدهمَا- وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد-: يحرم؛ لما رُوِيَ فِي الْخَبَر أَنه من الْخَبَائِث. وَالثَّانِي:- وَهُوَ الْأَصَح- الْحل؛ لقَوْله تَعَالَى: {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَى محرما} الْآيَة. وَيروَى أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه سُئِلَ عَن الْقُنْفُذ فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة، فَقَالَ شيخ عِنْده: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يَقُول: «ذكر الْقُنْفُذ عِنْد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: خَبِيث من الْخَبَائِث. فَقَالَ ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما: إِن كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه فَهُوَ كَمَا قَالَ» فَإِن كَانَ الشَّيْخ مَجْهُولا فَلم نر قبُول رِوَايَته، وَحمله بَعضهم عَلَى أَنه خَبِيث الْفِعْل؛ لِأَنَّهُ يخفي رَأسه عِنْد التَّعَرُّض لذبحه ويؤذي شوكه إِذا صيد. وَعَن الْقفال: إِن صَحَّ الْخَبَر فَهُوَ حرَام، وَإِلَّا رَجعْنَا إِلَى الْعَرَب هَل يستطيبونه؟ وَالْمَنْقُول عَنْهُم الاستطابة. انْتَهَى كَلَام الرَّافِعِيّ.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من رِوَايَة عِيسَى بن نميلَة- بالنُّون- عَن أَبِيه قَالَ: «كنت عِنْد ابْن عمر...» الحَدِيث فَذَكَرَاهُ. قَالَ الْخطابِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لم يرو إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد وَهُوَ إِسْنَاد فِيهِ ضعف وَرِوَايَة شيخ مَجْهُول. وَذكر الذَّهَبِيّ فِي الكاشف أَن ابْن حبَان وثق عِيسَى بن نميلَة. وَذكر هَذَا الحَدِيث عبد الْحق فِي الْأَحْكَام، وَسكت عَنهُ، وَاحْتج بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي التَّحْقِيق.
والقُنفذ بِضَم الْقَاف قطعا وَفِي فائه لُغَتَانِ بِالضَّمِّ وَالْفَتْح.

.الحديث الحَادِي وَالثَّلَاثُونَ:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن أكل الْجَلالَة وَشرب أَلْبَانهَا حَتَّى تحبس».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ لَكِن من رِوَايَة عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه. وَلَعَلَّ إِسْقَاط الْوَاو من النساخ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الْإِبِل الْجَلالَة أَن يُؤْكَل لَحمهَا وَلَا يشرب أَلْبَانهَا وَلَا يركبهَا النَّاس حَتَّى تعلف أَرْبَعِينَ لَيْلَة». قَالَ الْحَاكِم هَذَا لفظ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَفظ الْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجَلالَة أَن يُؤْكَل لَحمهَا أَو يشرب لَبنهَا، وَلَا يحمل عَلَيْهَا الْأدم، وَلَا يركبهَا النَّاس حَتَّى تعلف أَرْبَعِينَ لَيْلَة». قَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَأما عبد الْحق فَقَالَ: فِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر البَجلِيّ عَن أَبِيه، وَإِسْمَاعِيل: ضَعِيف، وَأَبوهُ لَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه التَّحْقِيق بعد أَن أوردهُ: إِسْمَاعِيل وَأَبوهُ ضعيفان.
قلت: أما إِسْمَاعِيل فضعفوه، وَتَصْحِيح الْحَاكِم حَدِيثه هَذَا يُؤذن بِثِقَتِهِ عِنْده، وَأما أَبوهُ فروَى لَهُ مُسلم، وَقَالَ الثَّوْريّ وَأحمد: لَا بَأْس بِهِ. وَضَعفه ابْن معِين، وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ فِي الحَدِيث.
قلت: قد جَاءَ النَّهْي عَن الْجَلالَة وَالشرب من لَبنهَا وَالرُّكُوب عَلَيْهَا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَعَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَيْضا، وَأبي هُرَيْرَة.
أما حَدِيث عبد الله بن عمر فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَنهُ «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جلالة الْإِبِل أَن يركب عَلَيْهَا أَو يشرب من أَلْبَانهَا». هَذَا لفظ أبي دَاوُد، وَفِي رِوَايَة لَهُ نهَى عَن الْجَلالَة فِي الْإِبِل أَن يركب عَلَيْهَا. وَفِي رِوَايَة لَهُ: «نهَى عَن ركُوب الْجَلالَة» وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل الْجَلالَة وَأَلْبَانهَا». وَلَفظ ابْن مَاجَه «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لُحُوم الْجَلالَة وَأَلْبَانهَا». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن ابْن أبي نجيح. وَذكر التِّرْمِذِيّ أَن سُفْيَان الثَّوْريّ رَوَاهُ عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: خَالف شريكُ ابنَ أبي نجيح، فَرَوَاهُ عَن لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس. قَالَ: وَرُوِيَ أَيْضا من وَجه آخر عَن ابْن عمر... فَذكره من حَدِيث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَرَوَاهُ عبد الْوَارِث، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
وَأما حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس، فَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن أكل الْمُجثمَة وَهِي المصبورة للْقَتْل، وَعَن أكل الْجَلالَة وَشرب أَلْبَانهَا» وَفِي لفظ: «عَن لبن الْجَلالَة، وَعَن الشّرْب من فِي السقاء» وَلَفظ أَحْمد «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى عَن الْمُجثمَة وَالْجَلالَة، وَأَن يشرب من فِي السقاء». قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ الْحَاكِم فِي كتاب الْجِهَاد: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي آخر الاقتراح فِي الْقسم الْخَامِس فِي ذكر أَحَادِيث رَوَاهَا قوم خرَّج عَنْهُم البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَلم يخرج عَنْهُم مُسلم إِذْ خرج عَنْهُم مَعَ الاقتران بِالْغَيْر.
وَأما حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده؛ فَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَنهُ قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة، وَعَن الْجَلالَة وَعَن ركُوبهَا وَأكل لحومها». وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَرَوَاهُ الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم نهَى أَن يشرب من فِي السقاء وَالْمُجَثمَة وَالْجَلالَة».
الْمُجثمَة: الَّتِي تُجعل هدفًا ليرميها بِالسِّهَامِ حَتَّى تَمُوت. وَالْجَلالَة: الَّتِي تَأْكُل الْعذرَة.

.الحديث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ:

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «قُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِنَّا لننحر الْإِبِل ونذبح الْبَقر وَالشَّاة، فنجد فِي بَطنهَا الْجَنِين أفنلقيه أم نأكله؟ فَقَالَ: كلوه إِن شِئْتُم، فَإِن ذَكَاته ذَكَاة أمه».
هَذَا الحَدِيث من هَذَا الطَّرِيق لَهُ طرق: أَحدهَا عَن مجَالد، عَن أبي الوداك- واسْمه: جبر بن نوف- عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَأَبُو دَاوُد بلفظين أَحدهمَا مَا ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ، إِلَّا أَنه قَالَ «النَّاقة» بدل «الْإِبِل». الثَّانِي: «سَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجَنِين، فَقَالَ: كلوه إِن شِئْتُم. قَالَ: ذَكَاته ذَكَاة أمه». وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بلفظين: أَحدهمَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن الْجَنِين يخرج مَيتا فَقَالَ: إِن شِئْتُم فكلوه». الثَّانِي. «أَنه سُئِلَ عَن الْجَزُور وَالْبَقَرَة يُوجد فِي بَطنهَا الْجَنِين، فَقَالَ: إِذا سميتم عَلَى الذَّبِيحَة فذكاته ذَكَاة أمه» ثمَّ ذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد المطول، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن. قَالَ: وَقد رُوِيَ من غير هَذَا الْوَجْه عَن أبي سعيد. قَالَ: وَالْعَمَل عَلَى هَذَا الحَدِيث عِنْد أهل الْعلم من أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم.
قلت: مدَار الحَدِيث عَلَى مجَالد بن سعيد الْهَمدَانِي ضَعَّفُوهُ، وَفِي روايةٍ عَن النَّسَائِيّ توثيقه، وَأخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا مَعَ غَيره، وَادَّعَى النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب الِاتِّفَاق عَلَى ضعفه فَكيف يُحسنهُ التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: وَقد رُوِيَ من غير هَذَا الْوَجْه عَن أبي سعيد. وَأما ابْن حزم فِي محلاه فَقَالَ: وَاحْتج المخالفون بأخبار واهية مِنْهَا هَذَا الْخَبَر... فَذكره بِلَفْظ أبي دَاوُد الثَّانِي، وَذكر من حَدِيث مجَالد، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي الوداك، ثمَّ قَالَ: ومجالد ضَعِيف، وَأَبُو الوداك كَذَلِك.
قلت: قد تقدم القَوْل فِي مجَالد، وَأما أَبُو الوداك فَقَالَ ابْن معِين: ثِقَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: صَالح. وَاحْتج بِهِ مُسلم وَلَا أعلم فِيهِ جرحا وَأما الإِمَام فِي نهايته فَإِنَّهُ ذكره بِلَفْظ الرَّافِعِيّ وَقَالَ: هُوَ حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن الصّلاح: حَدِيث ثَابت، ثُبُوت الْحسن مَرْوِيّ من حَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة مِنْهُم أَبُو سعيد.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَفعه: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه». ذكره ابْن حزم فِي محلاه. وَقَالَ: ابْن أبي لَيْلَى سيئ الْحِفْظ، وعطية هَالك.
قلت: أخرجه الْحَاكِم من حَدِيث أبي حَمْزَة مُحَمَّد بن مَيْمُون السكرِي، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد رَفعه بِمثلِهِ سَوَاء. فَهَذَا طَرِيق لَيْسَ فِيهِ ابْن أبي لَيْلَى، وَعبد الْملك من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَإِن لين. وَفِي التَّهْذِيب أَنه رَوَى عَن عَطِيَّة الْقرظِيّ فَليُحرر عَطِيَّة هَذَا هُوَ الْقرظِيّ أَو الْعَوْفِيّ.
الطَّرِيق الثَّالِث وَهُوَ أجدرها بالتقدم: عَن يُونُس بن أبي إِسْحَاق، عَن أبي الوداك، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، عَن أبي عُبَيْدَة الْحداد، عَن يُونُس بِهِ. وَأَبُو عُبَيْدَة هَذَا اسْمه عبد الْوَاحِد بن وَاصل، احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّة ابْن معِين وَغَيره، لَا جرم أخرجهَا ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ، ثَنَا عَلّي بن أنس العسكري، ثَنَا أَبُو عُبَيْدَة... فَذكره، وَاقْتصر عَلَى هَذَا الطّرق الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الْإِلْمَام وَعَزاهَا إِلَى ابْن حبَان وَحده، وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك: هَذَا بَاب كَبِير مَدَاره عَلَى طَرِيق عَطِيَّة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَلم يخرجَاهُ. قَالَ: وَطَرِيق أبي الوداك، عَن أبي سعيد تفرد بِهِ عَلان. كَذَا قَالَ، وَلَا أعرف هَذَا فِي طرقه. ثمَّ قَالَ: وَفِيه زيادات فِي اللَّفْظ وَلَا تقوم بِهِ حجَّة. قَالَ: وَمن تَأمل هَذَا الْبَاب من أهل الصَّنْعَة قَضَى فِيهِ بالعجب أَن الشَّيْخَيْنِ لم يخرجَاهُ فِي الصَّحِيح.
قلت: حاشاهما من إِخْرَاج كل طرقه، نعم بَعْضهَا جيد كَمَا عَرفته وستعرفه، وَلما ذكر التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي سعيد هَذَا قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن جَابر، وَأبي أُمَامَة، وَأبي الدَّرْدَاء، وَأبي هُرَيْرَة. زَاد الْبَيْهَقِيّ بِدُونِ أبي أُمَامَة: وَعلي بن أبي طَالب، وَابْن مَسْعُود، وَابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَأبي أَيُّوب، والبراء بن عَازِب.
قلت: وَفِي الْبَاب أَيْضا عَن كَعْب بن مَالك، ولنذكر طرق هَذِه الْأَحَادِيث ونتكلم عَلَيْهَا، فَإِن هَذَا الحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة، فَنَقُول:
أما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ الدَّارمِيّ، وَأَبُو دَاوُد، من حَدِيث إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، عَن عتاب بن بشير، عَن عبيد الله بن أبي زِيَاد القداح، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَفعه «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه».
أعله عبد الْحق فِي أَحْكَامه بعبيد الله القداح وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف الحَدِيث. وَتعقبه ابْن الْقطَّان بِأَنَّهُ لم يبين أَنه من روايه عتاب بن بشير عَنهُ، قَالَ: وعتاب هُوَ الْحَرَّانِي، زَعَمُوا أَنه رَوَى بِأخرَة أَحَادِيث مُنكرَة وَأَنه اخْتَلَط عَلَيْهِ الْعرض وَالسَّمَاع فتكلموا فِيهِ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي من الوسواس وَلَا يضرّهُ ذَلِك؛ فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا تحمل صَحِيح. واستمداد هَذَا التَّعْلِيل من كتاب أبي مُحَمَّد بن حزم فَهُوَ عَن مَجْهُول، ثمَّ لم يَأْتِ عَن أبي الزبير إِلَّا من طَرِيق حَمَّاد بن شُعَيْب وَالْحسن بن بشر وعتاب بن بشير عَن عبيد الله القداح وَكلهمْ ضعفاء. انْتَهَى. فَأَما القداح هَذَا فَقَالَ ابْن معِين فِيهِ مرّة: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ أَحْمد: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر لَهُ شَيْئا مُنْكرا. وَصحح التِّرْمِذِيّ حَدِيثه عَن الْقَاسِم، عَن: «عَائِشَة إِنَّمَا جعل الطّواف وَالسَّعْي والجمار لإِقَامَة ذكر الله تَعَالَى». وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَلَا بالمتين يحول من الضُّعَفَاء. وَأما عتاب بن بشير، فقد احْتج بِهِ البُخَارِيّ. وَوَثَّقَهُ ابْن معِين مرّة. وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ. وَقَول ابْن حزم لم يَأْتِ عَن أبي الزبير إِلَّا من الطّرق الَّذِي ذكرهَا للتبين كَذَلِك هَذَا خرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من حَدِيث زُهَيْر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه». ثمَّ قَالَ: تَابعه من الثِّقَات عبيد الله بن زِيَاد، عَن أبي الزبير... فَذكره بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ: حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم وَلم يخرجَاهُ، وَإِنَّمَا يعرف من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى وَحَمَّاد بن شُعَيْب، عَن أبي الزبير. وَهَذَا طَرِيق آخر لم يذكرهُ ابْن حزم وَهُوَ طَرِيق ابْن أبي لَيْلَى، وَأخرجه الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبان، عَن صباح بن يَحْيَى الْمدنِي، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن أبي الزبير، عَن جَابر رَفعه: «كل الْجَنِين فِي بطن أمه» وَفِي لفظ: «فِي بطن النَّاقة»
وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث يُوسُف بن عدي، نَا بشر بن عمَارَة، عَن الْأَحْوَص بن حَكِيم، عَن رَاشد بن سعد، عَن عتبَة بن عبد، عَن أبي أُمَامَة وَأبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» ثمَّ أخرجه من حَدِيث رَاشد بن سعد، عَن أبي أُمَامَة وَأبي الدَّرْدَاء. وَرَاشِد هَذَا ثِقَة، والأحوص بن حَكِيم ضَعْفه مَحْض وَعتبَة بن عبد كَأَنَّهُ صَحَابِيّ.
وَأما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء فقد عَرفته الْآن. وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عمر بن قيس، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَنه قَالَ فِي الْجَنِين: ذَكَاته ذَكَاة أمه». قَالَ عبد الْحق: لَا يحْتَج بِإِسْنَادِهِ. وَلم يبين مَوضِع الْعلَّة، وَبَينهَا ابْن الْقطَّان بعمر بن قيس فَقَالَ: هُوَ مَتْرُوك. وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِن ابْن الْقطَّان ذكره عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، عَن أبي هُرَيْرَة. وَذكره الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا وَلم يذكر أَبَا هُرَيْرَة. وَقَالَ: حَدِيث مُنكر لَكِن ذكره الْحَاكِم من رِوَايَة يَحْيَى بن سعيد عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن سعيد المَقْبُري، عَن جده، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه بِهِ ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده صَحِيح.
وَفِيه وَقْفَة، فعبد الله هَذَا قَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ.
وَأما حَدِيث عَلّي فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَفِيه الْحَارِث الْأَعْوَر الْكذَّاب وَعنهُ مُوسَى بن عُثْمَان الْكُوفِي. ادَّعَى ابْن الْقطَّان جهالته وَغلط، نعم هُوَ ضَعِيف، قَالَ ابْن عدي: حَدِيثه لَيْسَ بالمحفوظ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك.
وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة عَلْقَمَة عَنهُ أرَاهُ رَفعه: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه». وَرِجَاله رجال الصَّحِيح إِلَّا أَن شيخ شَيْخه أَحْمد بن حجاج بن الصَّلْت ذكره الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان وَذكر لَهُ حَدِيثا وَأَنه آفته وَالظَّاهِر أَنه هُوَ.
وَأما حَدِيث ابْن عمر فَلهُ طرق عَنهُ أَحدهَا: عَن عِصَام بن يُوسُف، عَن مبارك بن مُجَاهِد، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الْجَنِين: ذَكَاته ذَكَاة أمه أشعر أم لم يشْعر» قَالَ عبيد الله: وَلكنه إِذا خرج من بطن أمه يُؤمر بذَبْحه حَتَّى يخرج الدَّم من جَوْفه. قَالَ عبد الْحق: إِسْنَاده ضَعِيف، فِيهِ عِصَام ومبارك. قَالَ ابْن الْقطَّان: لم يبين حَال عِصَام، وَهُوَ رجل لَا تعرف حَاله قَالَ: وَأرَاهُ الَّذِي ذكره ابْن أبي حَاتِم وَلم يعرف من حَاله. شَيْء غير أَنه قَالَ فِيهِ: الزَّاهِد.
قلت: قد تكلم فِيهِ ابْن عدي فَقَالَ: رَوَى عَن الثَّوْريّ وَغَيره أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا. ومبارك بن مُجَاهِد ضعفه البُخَارِيّ وَقَالَ عَن قُتَيْبَة: كَانَ قدريًّا. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا أرَى بحَديثه بَأْسا.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن وهب بن بَقِيَّة، ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن الوَاسِطِيّ، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر رَفعه: «ذَكَاة الْجَنِين إِذا أشعر ذَكَاة أمه وَلكنه يذبح حَتَّى ينصاب مَا فِيهِ من الدَّم» أخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه الْأَوْسَط من هَذِه الطَّرِيق بِلَفْظ: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه إِذا أشعر» ثمَّ قَالَ: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق إِلَّا مُحَمَّد بن الْحسن، تفرد بِهِ وهب بن بَقِيَّة، وَأخرجه ابْن حبَان فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء من هَذِه الطَّرِيق بِلَفْظ الْحَاكِم ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد هَذَا يرفع الْمَوْقُوفَات ويسند الْمَرَاسِيل، وَإِنَّمَا هُوَ قَول ابْن عمر. وَأخرجه الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك من حَدِيث أَحْمد بن عِصَام، ثَنَا مَالك، عَن نَافِع بِهِ وَلم يذكر «إِذا أشعر» ثمَّ قَالَ: هُوَ فِي الْمُوَطَّأ مَوْقُوف وَذَلِكَ أصح.
قلت: وَأحمد تكلم فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: ضَعِيف. وَلَفظ الْمُوَطَّأ عَن نَافِع عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول: «إِذا نحرت النَّاقة فذكاة مَا فِي بَطنهَا فِي ذكاتها إِذا كَانَ قد تمّ خلقه وَنبت شعره، فَإِذا خرج من بطن أمه ذبح حَتَّى يخرج الدَّم من جَوْفه».
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه». رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ عَن أَحْمد بن يَحْيَى الْأَنْطَاكِي، عَن عبد الله بن نصر بِهِ. ثمَّ قَالَ: لم يروه مَرْفُوعا عَن عبيد الله إِلَّا أَبُو أُسَامَة، تفرد بِهِ عبد الله بن نصر.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي حُذَيْفَة، نَا مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، عَن أَيُّوب بن مُوسَى قَالَ: ذُكِرَ لي عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم «فِي الْجَنِين إِذا أشعر فذكاته ذَكَاة أمه».
ذكره ابْن حزم فِي محلاه، ثمَّ قَالَ: أَبُو حُذَيْفَة ضَعِيف، وَمُحَمّد بن مُسلم أسقط مِنْهُ، ثمَّ هُوَ مُنْقَطع. قلت: أَبُو حُذَيْفَة هُوَ مُوسَى بن مَسْعُود الْبَصْرِيّ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَقيل ليحيى بن معِين: إِن بندارًا يَقع فِيهِ. قَالَ يَحْيَى: هُوَ خير من بنْدَار وَمن ملْء الأَرْض مثله. وَقَالَ أَحْمد: صَدُوق، هُوَ من أهل الصدْق. وَقَالَ الْعجلِيّ:
ثِقَة صَدُوق. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. نعم قَالَ التِّرْمِذِيّ: يضعف فِي الحَدِيث. وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: لَا أحتج بِهِ. وَقَالَ الفلاس: لَا يحدث عَنهُ من يبصر الحَدِيث.
وَأما مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي فاحتج بِهِ مُسلم فِي صَحِيحه وَله فِيهِ حَدِيث وَاحِد، وَقَالَ ابْن معِين: لَا بَأْس بِهِ، فَإِذا حدث من حفظه يُخطئ. وَقَالَ البُخَارِيّ: قَالَ ابْن مهْدي: كتبه صِحَاح. وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ ابْن عدي: لم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا. وَقَالَ: اخْتلف فِي رَفعه عَن نَافِع. فَذكر الِاخْتِلَاف ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَيُّوب وَجَمَاعَة عدَّدهم عَن نَافِع عَن ابْن عمر مَوْقُوفا وَهُوَ الصَّحِيح.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عُثْمَان الْكِنْدِيّ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عِكْرِمَة، عَنهُ مَرْفُوعا بِلَفْظ: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه». أعله ابْن الْقطَّان بِجَهَالَة مُوسَى هَذَا وَهُوَ الْمُتَقَدّم ذكره فِي حَدِيث عَلّي.
وَأما حَدِيث أبي أَيُّوب فَأخْرجهُ الْحَاكِم من حَدِيث شُعْبَة، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن أبي أَيُّوب مَرْفُوعا بِهِ، وَقَالَ: رُبمَا توهم متوهم أَن حَدِيث أبي أَيُّوب صَحِيح وَلَيْسَ كَذَلِك. وَأخرجه ابْن حزم فِي محلاه من طَرِيق ابْن أبي لَيْلَى، عَن أَخِيه عِيسَى، عَن أَبِيه عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه إِذا أشعر». ثمَّ قَالَ ابْن أبي لَيْلَى: سيئ الْحِفْظ ثمَّ هُوَ مُنْقَطع.
قلت: قد ذكر بذلك مَوْصُولا.
وَأما حَدِيث الْبَراء فَلَا يحضرني غير مَا ذكرته عَن الْبَيْهَقِيّ.
وَأما حَدِيث كَعْب بن مَالك فَأخْرجهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث الْحسن بن عَمْرو بن شَقِيق، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك... أخرجه من حَدِيث عبد الله بن الجهم، ثَنَا عبد الله بن الْعَلَاء بن شبيب، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن... عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن كَعْب رَفعه بِهِ.
فَهَذِهِ طرق هَذَا الحَدِيث وَهِي إِحْدَى عشر طَرِيقا مُوضحَة الْكَلَام عَلَيْهَا، وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: لَا يحْتَج بأسانيدها كلهَا. وَأقرهُ ابْن الْقطَّان عَلَى ذَلِك، وَسَبقه بذلك ابْن حزم فَإِنَّهُ قَالَ فِي محلاه: وَاحْتج المخالفون بأخبار واهية. ثمَّ ذكره من أَربع طرق ووهاها، وَقد عرفت أَن بَعْضهَا يصلح للاحتجاج بِهِ، وَهُوَ طَرِيق أبي سعيد الَّتِي أخرجهَا أَحْمد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن حبَان، وَطَرِيق جَابر الَّتِي أخرجهَا الْحَاكِم، ويقابل قَول ابْن حزم وَعبد الْحق فِي تَضْعِيف مَا ورد من ذَلِك عَلَى سَبِيل الْإِجْمَال قَول الْغَزالِيّ فِي كِتَابه الْإِحْيَاء تبعا لإمامه إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي الأساليب: وَقد صَحَّ فِي الصِّحَاح من الْأَخْبَار حَدِيث الْجَنِين «فَإِن ذَكَاته ذَكَاة أمه» صِحَة لَا يتَطَرَّق احْتِمَال إِلَى مَتنه وَلَا ضعف إِلَى سَنَده، وَهَذَا من الْعجب العجاب، وَخير الْأُمُور أوسطها، وَإِن طرقه ضَعِيفَة خلا طَريقَة أبي سعيد وَجَابِر الْمُتَقَدِّمين وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق. كَيفَ وَقد رَوَى ابْن حزم من طَرِيق سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك قَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ: «ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة مَا يُقَوي ذَلِك.
فَائِدَة: قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: «ذَكَاة الْجَنِين حَاصِلَة بِذَكَاة أمه».
قَالَ النَّوَوِيّ، ويوضحه أَن فِي رِوَايَة للبيهقي «ذَكَاة الْجَنِين فِي ذَكَاة أمه» وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا «ذَكَاة الْجَنِين بِذَكَاة أمه»، قَالَ: وَبَعض النَّاس ينصب «ذَكَاة» ويجعله بِالنّصب دَلِيلا لأَصْحَاب أبي حنيفَة فِي أَنه لَا يحل إِلَّا بِذَكَاة وَيَقُول: ذَكَاته كذكاة أمه، حذفت الْكَاف فانتصب. قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء؛ لِأَن الرِّوَايَة الْمَعْرُوفَة بِالرَّفْع، وَكَذَا نَقله الْخطابِيّ وَغَيره، وَتَقْدِيره عَلَى الرّفْع يحْتَمل أوجهًا أحْسنهَا أَن «ذَكَاة الْجَنِين» خبر مقدم و«ذَكَاة أمه» مُبْتَدأ وَالتَّقْدِير: ذَكَاة أم الْجَنِين ذَكَاة لَهُ. كَقَوْل الشَّاعِر: بنونا بَنو أَبْنَائِنَا.
ونظائر ذَلِك؛ لِأَن الْخَبَر مَا حصلت بِهِ الْفَائِدَة، وَلَا تحصل إِلَّا بِمَا ذَكرْنَاهُ، وَأما رِوَايَة النصب عَلَى تَقْدِير صِحَّتهَا فتقديرها: ذَكَاة الْجَنِين حَاصِلَة وَقت ذَكَاة أمه. وَأما قَوْلهم بتقديره كذكاة أمه، فَلَا يَصح عِنْد النَّحْوِيين بل هُوَ لحن، وَإِنَّمَا جَاءَ النصب بِإِسْقَاط الْحَرْف فِي مَوَاضِع مَعْرُوفَة عِنْد الْكُوفِيّين بِشَرْط لَيْسَ مَوْجُودا هُنَا. هَذَا آخر كَلَام النَّوَوِيّ فِي التَّهْذِيب.